:بسم الله الرحمن الرحيم وأفضل الصلاة وأتم التسليم على أشرف خلق الله سيدنا محمد
صلى الله عليه وسلم وبعد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وسلم تسلما كثيرا، أما بعد:
عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله تعالى، ومراقبته في السر والعلانية والغيب والشهادة، ثم اعلموا رحمكم الله أن الله تعالى هم المتفرد بالخلق والاختيار، كما قال الله تعالى: ﴿وربك يخلق ما يشاء ويختار﴾ القصص: ٦٨, والمراد بالاختيار هنا هو الاصطفاء والاجتباء، فالله جلّ وعلا لكمال حكمته وقدرته، ولتمام علمه وإحاطته يختار من خلقه ما يشاء، ما يشاء من الأوقات والأمكنة والأشخاص، فيخصهم سبحانه وتعالى بمزيد فضله وجزيل عنايته ووافر إنعامه وإكرامه، وهذا بلا ريب من أعظم آيات ربوبيته وأكبر شواهد وحدانيته وصفات كماله، وهو من أبين الأدلة على كمال قدرته وحكمته, وأنه جلّ وعلا يخلق ما يشاء ويختار، وأن أزمّة الأمور بيده، فلله الأمر من قبل ومن بعد يقضي في خلقه بما يشاء، ويحكم فيهم بما يريد ﴿فلله الحمد ربِّ السموات وربِّ الأرض ربِّ العالمين وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم﴾ الجاثية: ٣٦ - ٣٧ .
عباد الله وإن مما خصَّ الله عزّ وجل من الأوقات بمزيد تفضيله، ووافر تكريمه شهر رمضان المبارك، حيث فضله سبحانه وتعالى على سائر الشهور، والعشر الأواخر من لياليه حيث فضلها على سائر الليالي، وليلة القدر حيث جعلها لمزيد فضلها عنده وعظيم مكانتها لديه، خيرا من ألف شهر، وفخم أمرها وأعلى شأنها، ورفع مكانتها عندما أنزل فيها وحيه المبين وكلامه الكريم، وتنزيله الحكيم هدى للمتقين وفرقانا للمؤمنين، وضياء ونورا ورحمة: ﴿إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين﴾ الدخان: ٣ – ٨، ﴿إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر﴾ لقدر: ١ – ٥,فلله ما أعظمها من ليلة، وما أجلها وما أكرمها وما أوفر بركتها، ليلة واحدة خير من ألف شهر, وألف شهر عباد الله تزيد على ثلاثة وثمنين عاما، فهي عمر طويل لو قضاه المسلم كله في طاعة الله عزّ وجل، فليلة القدر وهي ليلة واحدة خير منه، وهذا فضل عظيم وإنعام كريم, قال مجاهد رحمه الله: ﴿ليلة القدر خير من ألف شهر﴾ القدر: ٣ ليست في تلك الشهور ليلة القدر ", وهكذا قال قتادة والشافعي وغير واحد .
عباد الله وفي هذه الليلة الكريمة المباركة يكثر تنزل الملائكة لكثرة بركتها وعظم خيرها، فالملائكة يتنزلون مع تنزل البركة والخير والرحمة، كما يتنزلون عند تلاوة القرآن وفي حلق الذكر، وهي سلام حتى مطلع الفجر، يعني أنها خير كلّها ليس فيها شر إلى مطلع الفجر، وفي هذه الليلة الكريمة المباركة ﴿يُفرَقُ كلُّ أمر حكيم﴾الدخان: ٤أي يقدر فيها ما يكون في تلك السنة بإذن الله العزيز الحكيم، والمراد بالتقدير أي التقدير السنوي، وأما التقدير العام في اللوح المحفوظ، فهو متقدم على خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، كما صحت بذلك الأحاديث، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل ليلة القدر أنه قال:"من قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه".