واد علم التفسير والمشهورين بعلم القرآن ، حتى لقب بـ « ترجمان القرآن »(2).
وكان جل تلمذته على الامام أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام ، حتى شهد الإمام في حقه ، بقوله : « كأنما ينظر الى الغيب من ستر رقيق »(3).
وهذا الشكل من التفسير يرتكز ـ كما أشرنا ـ على المعلومات اللغوية فيتناول الالفاظ الغريبة الواردة في القرآن بالشرح والبيان وايراد ما فيها من مجاز في الكلمة أو الاسناد أو حذف أو تقدير أو نحو ذلك من التصرفات اللفظية.
قال الاستاذ فؤاد سزگين ـ بعد أن عدد تلاميذ ابن عباس في علم التفسير ـ : « تضم تفاسير هؤلاء العلماء وكذلك تفسير شيخهم توضيحات كثيرة ذات طابع لغوي أحرى أن تسمى : دراسة في المفردات »(4).
وانصب جهد المفسرين في مرحلة تالية على معرفة الحوادث المحيطة بنزول القرآن ، لما في ذلك من أثر مباشر على فهم القرآن والوصول الى مغزى الايات الكريمة ، لان موارد النزول والمناسبات التي تحتف بها تضم قرائن حالية تكشف المقاصد القرآنية ، ويستدل بها على سائر الابعاد المؤثرة في تحديدها وتفسيرها ، ويسمى هذا ـ الجهد ( بمعرفة أسباب النزول ) في مصطلح مؤلفي علوم القرآن.
وقد ساهم كثير من الصحابة ، الذين شهدوا نزول الوحي ، وعاصروا الحوادث المحتفة بذلك ، وحضروا المشاهد ، وعاشوا القضايا التي نزلت فيها الايات ، في بيان هذه الاسباب بالادلاء بمشاهداتهم من أسباب النزول.
واستند المفسرون الى تلك الاثار في مجال التفسير مستعينين بها على فهم القرآن وبيان مراده.
ويجدر أن يسمى هذا الشكل من الجهد التفسيري بمنهج « التفسير التاريخي ».
وقد أشار بعض علماء التفسير الى هذين الشكلين من الجهد بقوله : اعلم أن التفسير في عرف العلماء كشف معاني القرآن. وبيان المراد ، أعم من أن يكون بحسب اللفظ المشكل وغيره ، وبحسب المعنى الظاهر وغيره.
2 ـ لاحظ الفقيه والمتفقه للخطيب ( ص ) ، تأسيس الشيعة للسيد الصدر ( ص322 ).
3 ـ سعد السعود لابن طاووس ( ص287 و296 ) ، البرهان في علوم القرآن للزركشي (
)
4 ـ تاريخ التراث العربي ( المجلد الاول
ص177 ).
والتفسير : اما أن يستعمل في غريب الالفاظ ، واما في كلام متضمن لقصة لا يمكن تصويره الا بمعرفتها (5).
ولقد وجدت فراغاً في الكتب المتعرضة لاسباب النزول سواء العامة لكل الآيات ، أو الخاصة ببعضها ، حيث أغفلت جانب أسباب النزول من حيث أهميتها ، وطرق اثباتها وحجيتها ، وأخيرا ذكر مصادرها المهمة.
فأحببت أن اقدم هذا البحث عسى أن يسد هذا الفراغ ، أو يجد فيه المتخصصون تحقيقا منهجيا لم يتكفل استيعابه المؤلفون لكتب علوم القرآن على الرغم من تعرض بعضهم له.
عصمنا الله من الخطأ والزلل في القول والعمل.
السيد محمد رضا الحسيني
________
( 1 ) أهميتها
اهتم المفسرون بذكر أسباب النزول ، فجعلوا معرفتها من الضروريات لمن يزيد فهم القرآن والوقوف على أسراره ، وأكد الائمة على هذا الاهتمام ، فجعله الامام أبو عبد الله جعفر بن محمد الصادق عليه السلام من الامور التي لو لم يعرفها المتصدي لمعرفة القرآن لم يكن عالما بالقرآن ، فقال عليه السلام :
اعلموا رحمكم الله أنه من لم يعرف من كتاب الله : الناسخ والمنسوخ ، والخاص والعام ، والمحكم والمتشابه ، والرخص من العزائم ، والمكي من المدني ، وأسباب التنزيل... ، فليس بعالم القرآن ، ولا هو من أهله
ومن هنا نعرف سر عناية الامام أميرالمؤمنين علي عليه السلام بأمر نزول القرآن ومعرفة أسبابه ومواقعه ، فقد كان يعلن دائما عن علمه بذلك ، ويصرح باطلاعه الكامل على هذا القبيل من المعارف الاسلامية :
ففي رواية رواها أبو نعيم الاصبهاني في « حلية الاولياء » عن الامام علي عليه السلام أنه قال : والله ما نزلت آية الا وقد علمت فيما انزلت! وأين انزلت! ان ربي وهب لي قلبا عقولا ولسانا سؤولا (7).
وقال عليه السلام : والله ما نزلت آية في ليل أو نهار ، ولا سهل ولا جبل ، ولا بر ولا بحر ، الا وقد عرفت أي ساعة نزلت! أو في من نزلت!
واذا كان أمر نزول القرآن ـ ومنه أسبابه ـ بهذه المثابة من الاهمية عند الامام علي عليه السلام ، وهو القمة الشماء بين العارفين بالقرآن وعلومه ، بل هومعلم القرآن بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، كما في الحديث عن أنس بن مالك ، قال النبي : عليّ يعلّم الناس بعدي من تأويل القرآن ما لا يعلمون يخبرهم. [ شواهد التنزيل
ـ
[center]