تمهيد
لا بد من كلمة تمهيديه لبيان الأسباب الرئيسة لطرح هذا النهج : مدرسة لقاء المؤمنين وبناء الجيل المؤمن على المسلمين بعامة .
السبب الرئيس الأول : هو أن هذا الأمر ـ لقاء المؤمنين ـ أمر من عند الله سبحانه وتعالى ، حيث حرّم الله الفرقة بين المؤمنين ، وأنذر بعذاب عظيم إن وقعوا فيها . آيات وأحاديث كثيرة ، سبق عرضها والتذكير بها في أكثر من كتاب ومقالة ، لتؤكد خطورة هذه القضية وأهميتها . فبالاستجابة لأمر الله في آياته وأحاديث رسول الله r نجاة للمسلم وللمسلمين من فتنة الدنيا وعذاب الآخرة ، وبالتخلّي وعدم الاستجابة معصية كبيرة وعذاب من الله شديد في الدنيا والآخرة .
والسبب الثاني : هو أننا حين ندعو إلى لقاء المؤمنين ، وعدم تفرّقهم يجب أن نوفّر القاعدة التي يقوم عليها اللقاء . وهذه القاعدة يجب أن تكون نهجاً متكاملاً مترابطاً يحمل : النظرية العامة للدعوة الإسلامية ، والمناهج التطبيقية ونماذجها ، والنظام الإداري ، والدراسات المفصّلة لجميع أجزاء النهج ، ودراسة قضايا الواقع من خلال منهاج الله ، وهذا النهج بتكامله يجب أن يكون نابعاً من أُسس الإِيمان والتوحيد ، ومن منهاج الله ـ قرآناً وسنّة ولغة عربية ـ ومن مدرسة النبوّة الخاتمة ومن وعي الواقع من خلال منهاج الله . ويجب أن يعالج من خلال ذلك أهم نواحي الخلل والأمراض في واقع المسلمين اليوم ، وأن يلبّي حاجة الواقع بذلك .
والسبب الثالـث : هو أنه لا بد من المعالجة من الجذور ، وليس من السطح . لقد تمـزّق المسلمون مدارس ومذاهب وأحزاباً وشيعاً حتى ذَهَبَتْ ريحهم ، ووهنتْ قواهم ، وأصبح كل فريق يتبع فكراً خاصاً ، ورجلاً خاصاً ، وتصورات خاصة ، قد يصاحبها الانحراف والبدع ، مع تقديس كل فريق لقيادته وتصوراتها حتى يكاد يغيب الكتاب والسنة ، وتصبح الحجة والبيّنة لدى كل فريق أقوالاً بشريّة ، دون أي رجوع إلى الكتاب والسنة ، فزاد التفرّق والتمزّق ، ولم يعد بين هؤلاء جميعاً نهج واحد ملزم ، كما كان الحال في مدرسة النبوة الخاتمة ، وفي أصحاب رسول الله r ، حين كان لديهم نهج واحد يلتزمه الجميع في إقامتهم وسفرهم ، وفي فتوحاتهم وتحرّكاتهم . وكان لهم مرجع واحد هو الكتاب والسنة يأخذون الحجة منه بقيادة رسول الله r ، ثم كانوا أمّة واحدة ، تعبد ربّاً واحداً لها دين واحد ، ودعوة واحدة ، يخضعون جميعهم إِلى نهج واحد وقيادة واحدة ! أما اليوم فمذاهب متصارعة شتى ، ومناهج متضاربة ، وشعارات متصارعة .
حتى يلتقي المسلمون في الأرض يجب أن تعود الدعوة الإسلامية في الأرض دعوة واحدة ، تحمل رسالة واحدة ، ولها نهج تفصيلي واحد نابع من المصادر الأربعة التي سبق ذكرها ، والتي هي في حقيقتها مصدر ربّانيَّ واحد هو منهاج الله ! لا بد من النهج الواحد ، والمنهج الواحد ، يدفعان إلى قلب المسلم في جميع أنحاء الأرض فكراً واحداً وتصورات واحدة . وعندما يتَّحد الفكر والتصورات الرئيسة عن إيمان ويقين ، فيمكن للقلوب أن تلتقي ، ولأخوّة الإيمان التي أمر بها الله ورسوله r ، أن تتحقَّق عمليّاً في واقع المسلمين في الأرض اليوم ، تتحقّق عاطفة ومَوَدَّة ، وحقوقاً تؤدّى ومسؤوليات يوفَى بها ، عهداً ثابتاً مع الله سبحانه وتعالى .
إن هذه الأسباب الثلاثة تفرض علينا جميعاً أن نقدّم نهج مدرسة لقاء المؤمنين ، نقدّمه إلى كلّ مسلم ، وكلّ أسرة ، وكل حركة وجماعة وحزب ، وكل مجتمع إسلامي ، ليذوبوا جميعاً في الحقيقة الربانيّة الواحدة :
الله واحد لا شريك له له الأسماء الحسنى كلُّها ، والدين الحقُّ من عند الله دين واحد هو الإسلام الذي جاءت به الرسل والأنبياء جميعاً ، وختموا كلهم بمحمد r وبرسالته الخاتمة مصدقة لما بين يديها ومهيمنة عليها ، ولذلك يجب أن تكون الدعوة الإسلامية في الأرض دعوة واحدة ، وأن يكون المسلمون أمةً واحدةً توفي بعهدها مع الله .
ولا يُعقل أبداً أن يبعث الله الواحد الأحد إلى عباده بديانات مختلفة يتصارع أبناؤها ثم يحاسِبُهم يوم القيامة . هذه صورة لا تستقيم مع استقامة الإيمـان والتوحيد ، والدين الحق الواحد ، ولا تستقيم ورحمة الله الواسعة وعدله الكامل المطلق .
ربٌّ واحد ، ودين واحد ، وأمة مسلمة واحدة ، ودعوة ربانية واحدة . وهذه الدعوة الربانيّة الواحدة تبلّغ رسالة الله إِلى الناس كافة تبليغاً منهجيّاً كما أُنزِلتْ على محمد r ، وتتعهّدهم عليها تعهُّداً منهجيّاً واحداً .
إنها مسؤولية كل مسلم ، وكل داعية وعالم ، وكل مجتمع ، وكلنا مسؤولون ومحاسبون يوم القيامة عن ذلك !
(.. فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(63))
[ النور ]
وحتى يكون التزام المسلم صادقاً في مدرسة لقاء المؤمنين ، لا بدَّ من توافر أربعة شروط أساسية :
1. أن يدرس المسلم هذا النهج دراسة جادَّة واعية ، حتى يطمئن قلبه إلى أنه قد وعى النهج وأسسه وأهدافه وسبيله ومصادره وعياً سليماً يسمح له بإبداء رأيه واتخاذ قرار سيحاسب عليه بين يدي الله .
2. أن يقرّر هو بنفسه بعد هذه الدراسة والوعي هل آمن بهذا النهج إيماناً صادقاً يحاسَبُ عليه بين يدي الله ؟! فإن قرَّر هو بنفسه أنه آمن ينتقل إلى الخطوة الثالثة الهامة .
3. أن يلتزم النهجَ ، كلَّ النهج ، التزاماً صادقاً أميناً التزام حياة . فإذا وعي النهج وآمن به والتزمه ، وجب عليه الشرط الرابع والأخير .
4. أن ينطلق ليبلّغ للناس كافّة رسالة الله كما أُنزِلَتْ على محمد r بلاغاً منهجيّاً ، ويتعهدهم عليها تعهُّداً منهجيّاً ، ويمضي على ذلك حتى تكون كلمة الله هي العليا في الأرض .
والسبب الرابع : هو واقع المسلمين اليوم ، واقع هوان وإِذلال ، وضعف وانحلال ، وتمزّق وافتراق ، وخلافات وشقاق . وإن هذا الواقع امتدّ زمناً بعيداً ، حتى ولج أعداء الله ديار المسلمين غازين أو متسللين ، أو داعين لمذاهب شتى وأفكار بعيدة عن الإسلام ، مثيرين للشهوات والفتن في كل حال . ولم يستطع أعداء الله تحقيق هذا الغزو وامتداده لولا ما حلّ بالمسلمين من جهل وضعف . ولا بد أن نشير إلى أهم نواحي الفتنة التي أثارها أعداء الله في واقع المسلمين :
1. عزلوا الملايين الكثيرة من المسلمين عن اللغة العربية ، لغة الوحي والقرآن والنبوة ، واستبدلوا بها اللغة العامية أو اللغات الأجنبية .
2. وبذلك سهل عليهم عزل ملايين المسلمين عن الكتاب والسنة اللذين لا يفهمان ولا يتدبران إلا باللغة العربية .
3. لهذين السببين أخذ الإيمان والتوحيد يضعف ، والانحرافات تزداد ، والجهل يمتد ، مما أعان أعداء الله على نشر الشهوات والفتن والفاحشة والخمور وغيرها في ديار المسلمين .
4. سهل بعد ذلك تفرّق المسلمين شيعاً وأحزاباً ، كل حزب بما لديهم فرحون ، فتقطعت الأرحام ، والأواصر ، والحبال ، وغابت أخوة الإيمان .
5. بذلك كله سهل على أعداء الله السيطرة على بعض أقطار المسلمين والمضيّ في إفسادها وإذلالها ، وسهل عليهم إقامة دولة إسرائيل في قلب العالم الإسلامي ، تدعمها معظم دول العالم دعماً كاملاً .
وهذا كله كان يمضي على نهج وخطة لدى أعداء الله لا ارتجالَ فيها ، يقابلها غفوة وارتجال وشعارات لدى المسلمين .
لذلك وجب على المسلمين مقابله الخطة بالخطة ، والنهج بالنهج ، والصف الواحد بالصف الواحد ، والفكر المادي بالفكر الإيماني عن صدق وإيمان ، وعلم والتزام .
لهذه الأسباب كلها التي عرضناها هنا موجزة ، وجب أن ندعو إلى :[center]