الخليل-دنيا الوطن
قصة لم تتناقلها وسائل الإعلام، ولا يعرف تسلسل أحداثها إلا من عاش التفاصيل، فقد كانت الأم التي اعتادت أن تسابق عصافير الفجر بحيويتها ونشاطها،رغم ساعات الصيام الطويلة التي كانت تقضيها بين أطفالها الصغار، لتنهض مبكّرة كعادتها لإنجاز أعمال بيتها العامر بالطفولة والنشاط والحيوية، فقد استيقظت ذات يوم من أيام رمضان لتسجل حدثا تاريخيا في حياة أسرتها المتواضعة،،،
كان لا بد لها من الحصول على الماء من البئر، فكان ورود البئر فاتحة أعمالها الصباحية، فاتجهت بخطى سريعة يحثها اكتظاظ برنامجها اليومي لتقف على باب بئر الماء وتحصل على ما يكفي حاجتها، حيث إنّ المياه تلامس سقف البئر،
لحظات أخالها من الخيال، تلك التي جمعت بين وقفة الأم (34عاما)من يطا وطفلها الذي تتبّع خطاها إلى حيث لا تشتهي، فقد لحق بها شأنه شأن أي طفل لم يطبق العامين من العمر، وهنا لا يحق لنا أن نتساءل: لماذا جاء الطفل؟ لأننا لم نتساءل عن سبب سهره مع والديه في ليالي رمضان الطويلة،،،
ورغم حذرها الشديد من اقتراب طفلها من باب البئر، إلا أن إرادة الله ساقته من حيث لا تحتسب الأم، وما هي إلا لحظات وإذا بالطفل قد استقرّ في قاع البئر،، ماذا تفعل؟ بمن تستنجد؟ وهل تقوى على الكلام؟ وإذا كان لها ذلك،فهل هناك متّسع من الوقت للنجدة؟ وهل كان الناس قد استيقظوا بعد؟ إنه ابنها!!!!! لا يكفي أن تصرخ!!! ولا يسعفها البكاء!! هي لحظة عمل، لحظة موت! لحظة فراق فلذة كبدها! لا، لم يدم تفكيرها طويلا بل لم تفكر، ترجمت معنى الأمومة عمليا، إذ إنها لم تجد مفرا من اللحاق به، الوصول إليه، ويا لها من أم استطاعت أن تحتضن ابنها تحت سطح الماء الذي أغلق كل اتصال لها بالعالم الخارجي.
نسيت الدنيا واكتفت بحضنه، غادرت العالم وأقبلت لقربه، اخترقت برودة الماء واستغنت بدفئه،،،،
حاولت أن تحضن ابنها بيد وتتسلق على الحبل الذي استعانت به في النزول باليد الأخرى، ولكنّ صراعها مع كثافة الماء أعاق محاولاتها المتكررة، خاصة وأنها استماتت في إبعاد الماء عن وجه الطفل، فأصرت على قهر الموت الذي قهرها بوفاة شقيقيها من قبل.
في تلك اللحظات سارعت طفلتها، التي ملأت الدنيا صراخا ظنّا منها أن أمّها وأخاها فارقا الحياة، إلى استدعاء كل من وصله أنين صراخها،، فكان لها ما أرادت ، حيث تداعى الرجال من كل ناحية لإنقاذ الأم وطفلها، وفعلا استطاعوا بقدر الله تعالى أن يعيدوا البسمة إلى الأسرة.[center]