سَمِعْتُ أَبَا الْغَمِّ الْمِصْرِيّ يَنُوحُ وَيَقُولُ :
ذهبتُ أُنهي أوراقي ، وأنا راقٍ بأخلاقي ، فقابلتُ موظفًا بالسجل ، اسمه عبد الجبار المُذِل ، وقلتُ له :
سيدي فضيلة الإمام ، لي أوراقٌ تتنظر التمام ، وإنِّي لتلك الأوراق مُعَطَّل ، وَأرجو الفرجَ مِن شَخْصِكُم الْمُبَجَّل ،
وَأَنْتَ -قَدَّسَ اللهُ سِرَك- تَمْلِكُ الإشْهَارَ والتَّقْيِيد ، وَنَحْنُ لِفَضِيلَتِكُم مُجَرَّدُ عَبِيد .!
فقال وأركانُ وَجْهِهِ تَقْفِزُ ،وَعَضَلاتُه تَبْرُز : أيها العبد الذليل ، إني اليومَ عليل ، وقد انتهى وقت العمل منذ قليل .
فقلتُ: أى سيدي إني لا آتي لحضرتك إلا في الصَّناديد ، ولقد سافرت من مكان بعيد ، فهل تتفضل بكرمك المديد ، وتختم هذه الأوراق ولك منّي المال والثريد؟
فقال : كم ستدفع أيها العبد الكاذب ، وعلى ما سَتُكَاتِب؟!!!
قلتُ : كلُّ ما أملك يا فضيلة الإمام ، كرامتي ومالي ونفسي وماء وجهي والإدام!
فقال : لا يكفي إلا أن تأتيني بمال قارون ، وتكتب عليه أنا مجنون ، وأنت يا صاحب السجل سيد الكون !!!!!
فبكيتُ شديدًا وأنشدتُ قائلًا
كَرَامَاتُ الْغَافِلِ لعناتٌ
تَكْوِي وَتُكَبِّلُ وِجْدَانِي
الْقَاتِلُ مِنْهَا مُقْتَطِعًا
بِكَيَانٍ عند الإنسانِ
والشاغلُ فيها مُكْتَنِزًا
مِنْ عُمْرِيَ ذَا الْعُمْرِ الفاني
الْمِصْرِي يُكرِّمُ يَا وَلَدِي
مَنْ لَيْسَ بِهَذِي الْبُلْدَانِ
مَنْ يَقْطُنُ بَلَدِي يَا وَلَدِي
يُسْقَى وَيُجَرَّعُ بِهَوانِ
وَيُذَلّلُ مِنْ أَجْلِ الْوَرقِ
وَيَبُوحُ بِمَا قُدْ أَعْيَانِي
يُدْرِكُ أَنَّاتِي وَنَحِيبِي
وَيَدْرِي عَمَّا أَبْكَانِي
وَأَقُولُ لَهُ كُنْتُ أُعَانِي
مِنْ صَاحِبِ وَرَقٍ سَوَّانِي
فيقول العبد أيا مصري
لا تحزن إنّا سِيَّانِ
وأسير الكبر أيا مصري
لا يفلح يوما لِثَوانيِ
والجاني يقّطع من نفسه
ليطعمَ حقد الشيطانِ
فاتركْه واذهبْ يا مصري
واقبلْ سوءتَه بِإِحْسَانِ
وانْفُضْ عَنْ ظَهْرِكَ يَا مَصْرِي
بِغُبَارِ الْبُؤْسِ الْحَزَّان
كتبه سَيْفُ مُحّمّد