لما خاطبتها الملائكة بالبشارة لها
باصطفاء الله لها، وبأنه سيهب لها
ولداً زكياً يكون نبياً كريماً طاهراً
مكرماً مؤيداً بالمعجزات، فتعجبت من
وجود ولد من غير والد، لأنها لا زوج
لها، ولا هي ممن تتزوج فاخبرتها
الملائكة بأن الله قادر على ما يشاء
إذا قضى أمراً فإنما يقول له كن
فيكون، فاستكانت لذلك وأنابت وسلمت
لأمر الله، وعلمت أن هذا فيه محنة
عظيمة لها، فإن الناس يتكلمون فيها
بسببه، لأنهم لا يعلمون حقيقة الأمر،
وإنما ينظرون إلى ظاهر الحال من غير
تدبر ولا تعقل.
وكانت إنما تخرج من المسجد في زمن
حيضها أو لحاجة ضرورة لابد منها من
استقاء ماء أو تحصيل غذاء، فبينما هي
يوماً قد خرجت لبعض شؤونها و{انتَبَذَتْ}
أي انفردت وحدها شرقي المسجد الأقصى
إذ بعث الله إليها الروح الأمين جبريل
عليه السلام
{فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً}
فلما رأته
{قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ
بِالرَّحْمَانِ مِنْكَ إِنْ كُنتَ
تَقِيّاً}
و التقي هو ذو نهية.
{قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ
رَبِّكِ لأَهَبَ لَكِ غُلاماً
زَكِيّاً}
أي خاطبها الملك قائلاً لست ببشر
ولكني ملك بعثني الله إليك لأهب لك
ولداً زكيا.
{قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ}
أي كيف يكون لي غلام أو يوجد لي ولد
{وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ
أَكُنْ بَغِيّاً}
أي ولست ذات زوج وما أنا ممن يفعل
الفاحشة
{ قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ
عَلَيَّ هَيِّنٌ}
فأجابها الملك عن تعجبها من وجود ولد
منها قائلاً أنه وعد الله أنه سيخلق
منك غلاماً ولست بذات بعل ولا تكونين
ممن تبغين
{هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ}
أي وهذا أسهل عليه ويسير لديه، فإنه
على ما يشاء قدير.
وقوله
{وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ}
أي ولنجعل خلقه والحالة هذه دليلاً
على كمال قدرتنا على أنواع الخلق،
فإنه تعالى خلق آدم من غير ذكر ولا
أنثى، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى،
وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق بقية
الخلق من ذكر وأنثى.